التأميم في سوريا ،ارتجال وقرارات متسرعة

في حلب لوحدها، عام 1929 كان يوجد ستة آلاف نول حديث. وحوالي 30 ألف عامل في صناعة النسيج، في الوقت الذي كان فيه عدد سكان  مدينة حلب  200 ألف. (وصل عدد النولات منتصف الثلاثينات إلى 15 ألف نول.

وباحتساب عدد عائلات العمال، فقد كانت صناعة النسيج فقط، مصدر الدخل الرئيسي لنصف سكان المدينة)

كانت مدينة حلب تصدر المنسوجات والألبسة إلى أوروبا وآسيا. الأمر الذي جعل منها واحدة من أقوى الاقتصادات في الشرق الأوسط، وتنافس ليون الفرنسية مدينة النسيج الأولى عالميا آنذاك.

إلا أن هذا الاقتصاد تعرض لعدة هزات عنيفة، بدأت مع الحرب العالمية الثانية وظروف الكساد العالمي، ثم جاءت الهزة الأقوى مع قرارات التأميم 1961، لتوجه ضربة قاصمة للمدينة والاقتصاد السوري برمته، بعد انتعاشة ذهبية عاشتها المدينة وسوريا عموماً خلال حقبة الخمسينات.

ويشير الباحث (كمال ديب). إلى التأثير بالغ السوء لقوانين التأميم التي صدرت في 20 تموز عام 1961، والتي كانت أحد أكبر أخطاء القيادة المصرية في تعاملها مع سورية.

فقد تضمنت تأميم كامل للمصارف وشركات التأمين، وتأميم جزئي لــ 24 مصنعاً، وقد أصدرت دولة الوحدة هذه القوانين والمراسيم في سوريا ومصر في وقت متزامن.

لكن فاتها أن معظم أصحاب الشركات المؤممة في مصر، كانوا أجانب لا يحملون الجنسية المصرية، أما في سوريا فقد تأذى 17000 صاحب عمل سوري من أبناء البلد. عمل معظمهم بدأب على خلق رأس مال وطني منذ أيام الانتداب الفرنسي.

ولعل ما أصاب الشركة الخماسية خير مثال على هذه الإجراءات.(1)

التحول الاشتراكي، والقطيعة مع البرجوازية الوطنية

مع نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، بدأ تأميم البنوك الخاصة ومعامل النسيج في حلب. والشركة الخماسية في دمشق. وهذه الأخيرة كانت قد أُنشأت بمرسوم ومباركة من الرئيس السوري شكري القوتلي عام 1946.

و تعتبر صاحبة الرأسمال الأكبر في تاريخ سوريا لشركة خاصة، والذي وصل إلى 15 مليون ليرة بعد سنتين فقط من تأسيسها.

(وتجدر الإشارة هنا إلى أن ميزانية سوريا آنذاك كانت 107 مليون ليرة.)

كما وصل عدد موظفيها إلى 4735 موظف وعامل. مع طبابة مجانية وصالات مكيفة لأول مرة في سوريا. وراتب شهر إضافي كل سنة.

إضافة إلى 25٪ من أرباح الشركة توزع عليهم كل سنة. ولتلبية احتياجاتها الإنتاجية الضخمة، قامت الشركة الخماسية بإنشاء محطة خاصة بها لتوليد الكهرباء. 

تم تأميم الشركة الخماسية في تموز 1961، وكان عبد الحميد السراج رئيس شعبة المخابرات العامة، والذراع الأمنية لعبد الناصر في سوريا، هو من أشرف شخصياً على عملية الاستملاك.(2)

طرد الخبرات الوطنية

كما تم تأميم جميع البنوك الخاصة وأهمها : بنك العالم العربي وبنك المصارف المتحدة.

وبنك الشرق وبنك أصفر وسارة، والذي كان رئيس مجلس إدارته جورج سارة، مديراً للتجارة في حكومة عطا الايوبي عام 1936، و بتكليف منه، و يعتبر سارة صاحب الفضل بوضع قانون العمل السوري عام 1944. ووضع القانون التجاري في عهد حسني الزعيم 1949.(3)

بالإضافة إلى تأميم  بنك العالم العربي، وبنك الشرق وبنك المصارف المتحدة، وأيضاً البنك الجزائري التونسي الذي كان يرأسه  الدكتور نعمان الأزهري، والذي أسس لاحقاً البنك السوري الفرنسي.

عُين الأزهري وزيراً للمالية في عهد مأمون الكزبري، و انتقل بعد التأميم إلى بيروت كسائر المصرفيين السوريين، وأصبح رئيساً لمجلس إدارة بنك لبنان والمهجر.

يقول الأزهري: “كان التأميم غلطة كبيرة ارتكبها عبد الناصر وكانت نتائجه كارثية، كانت مصادرة من دون تعويض، الحكومة لم تحترم حتى قوانين التأميم التي أصدرتها، والتي تنص على تعويضات لأصحاب المصارف”

كما تم تاميم بنك المصارف المتحدة، والذي كان مديره من أبرز الشخصيات الاقتصادية السورية، الدكتور عوض بركات خريج السوربون، والذي أصبح نائباً لحاكم مصرف سورية المركزي، ثم وزيراً للاقتصاد والصناعة فترة الانفصال.

لا يختلف اثنان اليوم بأن قرار الوحدة بين سوريا ومصر، كان قراراً ارتجالياً متسرعاً وغير مدروس. وقد ألقى بظلاله على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية في سوريا.

ولا شك أن هذه الفترة التي امتدت لثلاث سنوات، كانت مرحلة مفصلية، غيرت من طبيعة الاقتصاد السوري، من حيث تعميق مركزية الدولة وتدخلها في الاقتصاد.

وأيضاً من خلال التوجه الاشتراكي الذي بدأ بقانون الإصلاح الزراعي رقم 161 بتاريخ 27 أيلول 1958. ومن ثم في قوانين التأميم في نهاية فترة الوحدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. كمال ديب، تاريخ سوريا المعاصر، دار النهار، بيروت، الطبعة الثانية، 2012.
2.  سامي مبيض، من قصة نجاح عظيمة إلى مأساة رهيبة، موقع رصيف22، نشر بتاريخ 16 يونيو 2020 .
3. سامي مبيض، مصارف الشام فبل التأميم، موقع رصيف22 نشر بتاريخ 5 ديسمبر 2020/.

اقرأ أيضا بين النسيج والخشب.. جولة في صناعات سوريا التقليدية