سيدة خمسينة تتتحدى واقعها القروي، وتحول منزلها البسيط إلى متحف. يجمع بين جدرانه الطينية أكثر من 4000 آلاف قطعة أثرية من تراث منطقة الجزيرة السورية التي يسكنها الغالبية الكردية.
من السويد، إلى (معشوق)
(حزنيّة عثمان) في عقدها الخمسين، تعيش بمفردها، وتعرف باسم كجا كوردا، أو (ابنة الكورد) من قرية “معشوق” التابعة لبلدة تربسبية شمال وشرقي سوريا. تهوى جمع الأثريات وكل ما يتعلق بحقب سابقة تخص التراث الكردي والعربي والسرياني في منطقة الجزيرة السورية.
تربت في كنف عائلة تقليدية، ثم هاجرت سنة 2000 إلى السويد، لتعود عام 2005 إلى قريتها في الريف الشرقي لمدينة القامشلي. وتبدأ بتنفيذ حلمها الشخصي بعد عام واحد من عودتها.
أولى خطوات حزنيّة على طريق الحلم كان عام 2006، حيث شرعت في تحويل منزلها “منزل العائلة” إلى متحف للتراث.
بدأت عثمان بمقتنيات منزلها الريفي. أثاث كردي بسيط، وبعض الآلات الزراعية، ومهد أطفال خشبي وصندوق خشبي مزخرف كان يستخدم في تجهيز العرائس قديماً، عرضتهم أمام الزوار في صالة الدار. لتتوسع بعدها في مشروعها، وتقصد القرى والمدن المجاورة، بحثاً عن قطع تاريخية وتراثية لسكان المنطقة.
البعض منحها ما يملك من مقتنيات وقطع أثرية، كهدية ودعم لمشروعها. وقطعاً أخرى دفعت ثمنها من مالها الخاص. فضلا عن بعض القطع وصلتها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي من متابعيها من أبناء المنطقة.
منذ عدة سنوات، تسافر منفردة، وتقصد قرى ومدن مختلفة، في محاولتها الوصول إلى مصادر جديدة، من أجل اقتناء المزيد من القطع الأثرية واللباس التاريخي لمكونات المنطقة. تتجول بين قرى إقليم الجزيرة ومدنها بحثاً عن المقتنيات النادرة.
استغرقت رحلة البحث والجمع وقتا طويلاً، واجهت تحديات، ومرت بأوقات عصيبة. كونها بمفردها ولم تتلق دعماً من أي منظمة،أو جهة في مشروعها التطوعي لتوثيق تراث المنطقة.
رحلة الذاكرة.. وعبق الماضي
بزيّها الكردي، وابتسامتها المشرقة، تستقبل كجا كوردا (إبنة الكورد) زوارها القادمين من كل صوب من مناطق شمال وشرقي سوريا. للاطلاع على مقتنياتها والأزياء التراثية المتنوعة، التي وصلت الى أكثر من 150 قطعة لباس تراثي، وما يقارب من 3000 آلاف قطعة أثرية متنوعة من مختلف المدن في الجزيرة السورية، إضافة إلى عدد كبير من القطع، صنعتها السيدة عثمان بنفسها، بخبرة ومهارة تعلمتها من والدتها،
يحتوي متحف القرية لابنة الكرد، قطعاً يعود عمرها إلى أكثر من 500 عام، من أدوات زراعية بدائية ومنزلية. بعضها مصنوع من جلد الحيوانات، وأسلحة ودروع قديمة تخص أجدادها من المنطقة. كما تقتني في رفوفها العديد من أدوات التبرج والزينة والحكل النادرة. ملابس للرجال والأطفال والنساء، من مختلف المكونات ومختلف الثقافات، حلل للطعام ودلال للقهوة. مغازل بدائية للنسيج والصوف والتطريز، أحجار الرحى. سلال معلقة في السقف من مختلف الأحجام، جرار من الفخار كانت تستخدم في الماضي لحفظ الأجبان والسمن والدهن. وكذلك لتبريد المياه أو للزينة المنزلية والكثير من الأدوات المختلفة الخاصة بتربية الحيوانات.
من بين المقتنيات هناك دمىً خشبية قديمة مصنوعة من القماش والحجر والطين. وأيضاً بعض الآلات الموسيقية التراثية القديمة.
شغف حزنية عثمان، وتعلقها بالتراث الكردي منذ طفولتها، دفعها إلى الاهتمام بتراث كامل المنطقة بمختلف مكوناتها وثقافاتها، والعمل على اكتناز الموروث القديم، وجعل جدران منزلها لوحات حية مزينة بتاريخ شعب كامل سكن الجزيرة السورية.
ترى حزنية أن ذلك هو واجبها، ورسالتها. وترى بحديثها الى موقع ضفاف: “إن افتتاح هذا المتحف، كان من أجل الحفاظ على تراث سكان المنطقة، خاصة بعد توجه السكان نحو حياة المدينة وابتعاد الكثير من الجيل الجديد عن بيئة القرية، لذلك أحاول استقطاب الشباب والشابات، ليكونوا زواراً للمتحف يتعرفوا من خلاله على تراثهم، وتراث أجدادهم. الذي أخشى أن يندثر بسبب التمدن من جهة، والحرب وآثارها من جهة أخرى”.
واليوم.. وبعد ازدياد إقبال الزوار والمهتمين بمتحفها، تطمح حزنية عثمان (كجا كوردا)، إلى توسيع مشروعها، وتخصيص مكان أكبر لجمع المقتنيات. وتأمل بأن تحصل على الدعم من جهات راعية، لتتمكن من الاستمرار في مشروعها. و تستمر باقتناء المزيد والمزيد من القطع والمقتنيات الأثرية.
إقرأ أيضاً مدونة بلد